أخبار وطنية عصام الدردوري: هذه الاخلالات الأمنية سهلت غزوة سوسة .. واخشى انتقال الارهابيين الى هذه الفضاءات
لـــن نقضـي على الارهـاب مــادام حاضنوه سياسيا ينعمون بالحرية
لم يكن بالامكان تفادي «غزوة سوسة».. بـل فقط التقليص من خسائرها
أكد رئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطن عصام الدردوري، أن شهر رمضان يعتبر في المعتقد الجهادي لدى الارهابيين شهر جهاد ويتعاظم فيه اجر منفذي العمليات الارهابية، مبينا ان القضاء على الارهاب ممكن بتعاضد كل الجهود وخاصة بتوفر إرادة الدولة التي ظلت غائبة الى حدود العملية الارهابية التي شهدتها، ووصف الدردوري الحادثة بالكارثية بكل المقاييس لأنها الأكثر دموية منذ ظهور الجريمة الارهابية في تونس كما أن انعكساتها ستكون وخيمة على مستوى الاقتصاد الوطني باعتبارها طعنة قد تكون قاتلة في خاصرة القطاع السياحي.
وبين الدردوري أنه لا يمكن القضاء على الارهاب طالما أن الاطراف السياسية التي اطلقت العنان لهذه الجماعات واحتضنت مشروعها تنعم بالحرية.
أخبار الجمهورية التقت برئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطن وكان لنا معه حوار مطول حول تداعيات عملية سوسة الارهابية، واهم الاخلالات الأمنية والتوقعات حول الضربات القادمة...
سبق أن حذرت بأن داعش ستكون مداعبة لرمال الشواطئ التونسية هذا الصيف 3 أسابيع قبل العملية الارهابية بسوسة، فعلى ماذا انبنت قراءتك ؟
فعلا، أطلقت تحذيرا في شكل قراءة للواقع وللأسف حصل ما ذهبت اليه، فالمتمعن في كيفية تحرك الجماعات الارهابية وسرعة تطورها تنظيميا وعملياتيا في ارتباط بما تشهده الساحة الاقليمية والدولية وتنامي الجريمة الارهابية العابرة للقارات والمهدد الرئيسي لكيان الدول المدنية يمكن ان ينتهي الى ان كل المواقع والمنشآت والتجمعات قد تكون اهدافا في مرمى نيران العناصر الارهابية في كل لحظة، ولكن الاختلاف يكون فقط على مستوى اختيار تاريخ العملية ومكانها وآليات وطرق تنفيذها، وداعش خطر حقيقي يهدد المنطقة بكاملها وتونس ليست بمعزل عن هذه التهديدات خصوصا مع ما يشهده هذا التنظيم من توسع على التراب الليبي والانعكاسات الخطيرة التي يمكن ان يمثلها على الوضع الامني في تونس، كما أن هذا التحذير كان نتاجا لقراءة شاملة ومعمقة بعيدة عن القراءة السياسوية والشعبوية لتطور الجريمة الارهابية ووقائعيتها في تونس.
اكدت أنه تم التحذير من العملية قبل وقوعها فهل من توضيح؟
لقد أعلنت الجهة الارهابية المخططة لهجوم سوسة الارهابي عن الهجوم منذ الساعة السادسة صباحا من ذات يوم التنفيذ وحددت الولاية بدقة وأطلقت على الهجوم اسم «غزوة سوسة» ومع ذلك لم يقع تفادي الهجوم الارهابي الغادر وهو ما يبين وهن اقتفاء تحركات الارهابين الكترونيا وبطء التعاطي مع المعطيات والمعلومات وتفكيكها على المستوى الافتراضي.
رغم التحذيرات لماذا لم يقع تفادي وقوع العملية؟
أولا، الهجوم الارهابي كان على طريقة انفرادية وصفتها الجهة المتبنية للعملية بالانغماسية المنفذة عن طريق احد الذئاب المنفردة وفق المصطلحات الجهادية التي تستعملها هذه التنظيمات الدامية، وفي هذه الحالات اذا ما تمعنا في دلالة المفاهيم من الصعب احباط الهجوم، حتى في صورة الحصول على معلومات في الغرض لأن منفذ العملية اعتمد أسلوبا ذكيّا في التمويه والتخفي من حيث الشكل وعدم اظهار أي ارتباك عند التقدم للتنفيذ، كما أنه لا يعتبر من العناصر التكفيرية المسجلة ضمن قاعدة البيانات التي تمتلكها الوحدات المختصة في مكافحة الارهاب، والقول ان ارهابيا منفردا هو من نفذ العملية لا يعني أنه كان بمفرده طيلة فترة التخطيط للهجوم خاصة في عملية بذلك الحجم تتطلب تخطيطا مجموعة موزعة المهام بين الرصد والاسناد والتنفيذ وهو ما ستكشفه التحقيقات، ولكن كان بالامكان على الأقل تفادي تلك الخسائر البشرية الضخمة في الهجوم لو أن مسرح العملية كان مؤمنا بعناصر أمنية مسلحة تابعة للأمن السياحي، وهو للأسف اجراء تم اقراره متأخرا وبعد وقوع الكارثة.
يرى البعض أن العملية الأخيرة رافقتها عديد الاخلالات الأمنية؟
الاشكال في اعتقادي، لا يكمن في وجود اخلالات أمنية مباشرة سهلت هذه العملية بالذات ببقدر ما يكمن في غياب منظومة متكاملة ومتماسكة لتأمين الشريط السياحي والمنشآت المرتكزة به والوافدين عليها وهذه المنظومة أو الاستراتيجية الأمنية كان من المفروض أن تتبلور منذ المحاولة الارهابية الفاشلة لاستهداف الحافلتين السياحيتين بولاية قبلي قبيل الاطاحة بخلية وادي الليل، وتواصل عدم تكريسها حتى بعد الهجوم الذي استهدف متحف باردو.ومن أبرز الركائز التي لا بدّ أن تتأسس عليها هذه المنظومة تركيز فرق أمنية من عناصر النخبة جاهزة للتدخل العملياتي عند كل طارئ للاستفادة من عامل السرعة والخبرة في تطويق مثل هذه الهجمات وافشالها، فضلا عن تدعيم الرصيد البشري بفرق الأمن السياحي وتمكينهم من وسائل النقل الادارية فلا يمكن ان تغطي سيارة وحيدة مثلا منطقة سياحية تضم اكثر من 4 نزل، اضافة الى رواد الشواطئ، ومن الاخلالات التي رافقت العملية الارهابية بالاضافة الى غياب الاستراتيجية وما تكتنفه من ضعف الرصيد البشري والوسائل ايضا غياب عناصر أمنية مسلحة في مثل هذه الفضاءات السياحية، خاصة اذا ما لاحظنا أن أغلب مهام المنتمين لهذا الادارة تتمثل في : الاكتفاء بلعب دور انشادي اساسا والاكتفاء ببعض زيارات التفقد للملاهي الليلية والفضاءات السياحية بدورية في اقصى الحالات والحال ان هذا القطاع من ابرز القطاعات المستهدفة ولابد من اجراءات استثنائية لحمايته.
وماهي هذه الاجراءات؟
تسريع تفعيل العمل بمنظومة التأمين الذاتي التي تم اقرارها مباشرة اثر عملية باردو لمعاضدة الجهود الأمنية والعسكرية وللاشارة فان فرق رقابة تابعة لوزارة الداخلية تولت القيام بزيارات تفقد لمجموعة من المنشآت السياحية والتي من بينها نزل امبريال بالم مسرح العملية للوقوف على مدى العمل بمنظومة التأمين الذاتي وتم رصد مجموعة من الاخلالات التي رفعت اثر ذلك الى المنشآت المعنية قصد العمل على تفاديها درءا لكل الأخطار المحتملة، كما أن اجراء تدعيم الرصيد البشري الأمني بهذه المنشآت وتسليحها اجراء مهم وكان لا بد من اتخاذه منذ بروز النوايا الحقيقية للجماعات الارهابية استهداف القطاع السياحي الذي يمثل نواة الاقتصاد الوطني وأحد أعمدة كيان الدولة، وهذا ما تدركه جيدا الجهة المنفذة للعملية التي تحمل أبعادا انتقامية من ناحية كردود على الضربات التي تلقتها مؤخرا وأبعادا استعراضية احتفالية بمرور سنة عن ظهور ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية.
ونحن في خضم الحديث عن الرسائل المراد ايصالها من هذه العملية، حسب رأيك لماذا حرص المهاجم على انتقاء ضحاياه، ولماذا ظهرت عليه ملامح الأريحية وهو بصدد التنفيذ؟
اختيار الجهة المنفذة على عنصر ارهابي انغماسي لتنفيذ العملية وليس عنصرا انتحاريا أو استشهاديا هو في حد ذاته اختيار مدروس، خصوصا أن تسمية الانغماسي التي أطلقت على منفذ العملية تعني ارهابيا ذا كفاءة عالية على استعمال السلاح الفردي والجماعي قادرا على اصابة أعداد كبيرة وعلى الاستعداد للاستمرار في تنفيذه لهجومه الى أن يقضى نحبه أو يفر، أما سمة الانتحاري فهي تطلق على عنصر مجهّز بمواد ناسفة ومتفجرة كالاحزمة ولا ينتقي ضحاياه فكلهم هدف بالنسبة اليه مثلما حصل باستهداف مسجد بالكويت مؤخرا، انا أعتقد ان الاختيار على العنصر الانغماسي وليس الانتحاري هو لغاية ضمان تمرير رسالة من ضمن مجموعة رسائل الى قوى التحالف الدولي التي تشن غارات عسكرية على مواقع تنظيم ما يسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام عبر انتقاء المهاجم لضحاياه الذين كانوا جلهم من الجنسيات الأجنبية وهي رسالة ورد تدعيمها في شكل واضح في بيان تبني العملية عند اشارة داعش الى أن «ذئبها» انغمس مصيبا من اسمتهم برعايا التحالف الصليبي في اشارة واضحة للتحالف الدولي الذي يشن ضدها هجمات ولربما تتنزّل العملية ايضا في اطار التحذير من مغبة الانخراط في المجهود الدولي لمكافحة هذا التنظيم خصوصا وان المواقف الدولية بصدد التشكل للتدخل والقضاء على دواعش ليبيا .
هل تتوقع ضربات جديدة وماهي اهم المواقع التي يمكن ان تكون مستهدفة، خاصة بعد توعد هذه الجماعات بضربات جديدة؟
التهديد والوعيد يدخلان في اطار أحد اهم العوامل التي ترتكز عليها الجماعات الارهابية لانجاح مخططاتها المرصودة خصوصا أن الغاية من كل عملياتها اضافة الى البعد المادي والبعد النفسي المتمثل في نشر الخوف واثارة الرعب وتشكيك الفرد في قدرة الدولة بقوانينها الوضعية على حمايته وضرب معنوياته في محاولة لكسب الحاضنة الشعبية والظهور في مظهر القوة، ولكن في ظل تنامي المخاطر وتضييق الخناق على تنظيم داعش الذي بات في مقدمة التنظيمات الارهابية دموية وشراسة وخطورة تبقى امكانية وقوع عمليات ارهابية جديدة واردة في كل لحظة، نحن في معركة مفتوحة وعملية سوسة لن تكون الأخيرة كما أن الوحدات الأمنية والعسكرية مرت منذ فترة من مرحلة ردة الفعل الى الفعل والمبادرة، ولا أستبعد أن تنتقل العمليات الارهابية الى الفضاءات العامة كالمراكز التجارية الكبرى ومحطات النقل الجماعية، مع أي تغيير قد يطرأ، أساسا من مسألة التدخل العسكري، التي قد تعجل من مرحلة دخول هذه الجماعات في استهداف الجميع على حد سواء بما في ذلك المواطن العادي.
رغم وطأة العملية الارهابية الأخيرة وحجم الخسائر على جميع الأصعدة تبقى الجماعات الارهابية اضعف من أن تسقط دولة تمتلك الارادة للحفاظ على كينونتها وشعبا يزدري ثقافة الموت ومدججا بثقافة الحياة.
حاورته: سناء الماجري